كتب:
د. علي بن عمر بادحدح
09 يونيو, 2013 - 30 رجب 1434هـ
الخطبة الأولى:
وصية الله سبحانه وتعالى لكم في كل آن وحين إلى يوم الدين تقواه جل وعلا {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ} [آل عمران: 102].
معاشر المؤمنين..
الحديث
الذي كان شاغل وسائل الإعلام وأحاديث الناس ومجالسهم خلال الأيام التي
انصرمت كان حديث السقوط الذي عبروا عنه بسقوط القصير. ووقفاتنا موجزةٌ
مختصرة, ليست مرتبطة بنشرة أخبار, ولا بتحليلات سياسية, وليست هي بعيدة عن
واقعنا, أو كما قد يظن بعضنا ليس موضوعاً يؤثر فينا أو يوجهنا أو يرسل
إلينا رسائل مباشرة.
كلا فإن كل ذلك متضمنٌ في هذه الوقفات التي نريد أن نسأل فيها من الذي سقط في القُصير؟, من هم الساقطون؟, كيف كان هذا السقوط؟.
وأبدأ
أولاً بأن أقول: سقط القاتلون للأبرياء, والأطفال والنساء, بكامل القوة
العسكرية المفرطة في كثافتها حتى إن بعض الصواريخ كان يضرب بعضه بعضا, سقط
أولئك من حزب الشيطان ومن النظام النصيري قصفاً ورجماً وقتلاً على الأرض {لاَ يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلاًّ وَلاَ ذِمَّةً وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُعْتَدُونَ} [التوبة : 10].
الوصف
يصدق, والآيات تصور, سقط الذين قطعوا الماء, ومنعوا الدواء, في صورةٍ لا
دينيةٍ ولا إنسانيةٍ بحال من الأحوال, وهم ينتسبون إلى سيد الخلق صلى الله
عليه وسلم زوراً وبهتاناً، وهو القائل: (دَخَلَتِ امْرَأَةٌ النَّارَ فِي هِرَّةٍ رَبَطَتْهَا فَلَمْ تُطْعِمْهَا وَلَمْ تَدَعْهَا تَأْكُلُ مِنْ خِشَاشِ الأَرْضِ) (رواه البخاري).
سقط
أولئك المدعين للتشيع والانتصار لآل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو
الذي قال كما روى أبو داود في سننه والبيهقي كذلك من حديث أنس رضي الله
عنه في وصية النبي صلى الله عليه وسلم: (لاَ
تَقْتُلُوا شَيْخًا فَانِيًا وَلاَ طِفْلاً صَغِيرًا وَلاَ امْرَأَةً
وَلاَ تَغُلُّوا وَضُمُّوا غَنَائِمَكُمْ وَأَصْلِحُوا وَأَحْسِنُوا إِنَّ
اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ).
أين هذه الوصايا لا نقول من الأخبار بل مما يُرى رأي العين مما صوِّر وتم بثّه في هذا الأمر.
من
سقط في القصير؟! سقط الحاقدون الجاحدون, انظروا كيف يكون إعلان الفرح على
دماء المسلمين؟!, على أشلاء الأطفال والنساء والأبرياء, كيف توزع الحلوى
وتُرفع الرايات وتُطلق الرصاصات؟!, والله جل وعلا قال لنا في سياق قصة
موسى: {فَلاَ تُشْمِتْ بِيَ الأعْدَاء} [الأعراف: 150], والنبي صلى الله عليه وسلم في المتفق عليه من حديث أبي هريرة عنه عليه الصلاة والسلام أنه (كَانَ يَتَعَوَّذُ مِنْ جَهْدِ الْبَلاَءِ وَدَرَكِ الشَّقَاءِ وَسُوءِ الْقَضَاءِ وَشَمَاتَةِ الأَعْدَاءِ) (رواه البخاري ومسلم), وورد في سنن الترمذي بسند حسنه عن المصطفى صلى الله عليه وسلم: (لاَ تُظْهِرِ الشَّمَاتَةَ بأَخِيكَ فَيعافيه اللَّهُ وَيَبْتَلِيكَ)
(رواه الترمذي), كم في هذه الصورة من شماتةٍ تشمت بنا أعداء الإسلام عندما
يقولون انظروا إلى المسلمين يقتلوا بعضهم بعضا ويعلنوا أولئك الفرح بذلك
القتل.
ومن
عجائب هذا الدين العظيم أن سننه الماضية وأن قواعده الثابتة وأن كلياته
الشاملة تنطق في كل زمان ومكان, سُئِلَ العز بن عبدالسلام وابحثوا عن
تاريخه فقد مضى على وفاته أكثر من ثمانية أو سبعة قرون, سُئِلَ لو قُتِلَ
عدوك ظلماً وبغياً هل تفرح بذلك؟ فأجاب: "إن فرح بكونه عُصي الله فيه فبئس
الفرح فرحه", إن كان الفرح كما فرح أولئك.. فرحوا بأن بني حزبهم ومقاتليهم
وأنصارهم وحلفائهم أعملوا القتل في أولئك الذين يدافعون عن أعراضهم وأرضهم
وديارهم ويطلبون حقهم أولئك بالفعل هم الذين سقطوا لأنهم جحدوا, وقد أرتنا
الصور كيف كان أهل هذه البلدة ممن احتضن بعضاً منهم في وقتٍ مضى عندما
هجرتهم بعض أحداث الحروب اليسيرة وإذا بهم اليوم يأخذون المكافأة من
الجاحدين الذين سقطوا بالفعل أخلاقياً وإنسانياً ودينياً وقيمياً, ونحن
عندما نقول ذلك نريد أن نتعلم, نريد أن ننظر إلى مواقفنا نحن، سواء في هذا
الأمر أو في مواقف عامة كثيرة, نتجرد فيها أحياناً من صور إنسانيتنا
بتسلطنا على من نقدر عليه, ونستطيع أن ننفذ قوتنا وقدرتنا عليه, فنستهين به
ونحتقره ونفرح لذله وضعفه، إنها أخلاقيات إيمان قبل أن تكون أخلاقيات
إنسان, إنها شرائع إسلام حتى عند الحرب والقتال (لاَ تَقْتُلُوا شَيْخًا فَانِيًا وَلاَ طِفْلاً صَغِيرًا وَلاَ امْرَأَةً),
هكذا كان هذا الدين العظيم, ترفَّع المصطفى صلى الله عليه وسلم يوم أحد أن
يمثل بمن مثلوا بحمزة سيد المجاهدين عليه رضوان الله وبغيره من المسلمين
بأنه يبقى مع دينه, مع إيمانه, مع سمو أخلاقه, مع رفعة إنسانيته, ولا يتسفل
كما سقط أولئك الجاحدون الناكرون.
من
الذي سقط؟! سقط الكذَبة الفجَرة الذين زعموا، وهذا نقلته لنا الشاشات
والفضائيات يقولون فرحنا بالانتصار على التكفيريين الذين تدعمهم أمريكا
والكيان الصهيوني, لست أدري عندما يستحكم الغباء كيف يُسمح أن يقول قولاً
في مثل هذا الهراء والكذب ونحن نعلم كيف يكون الأمر, وكل الناس قد رأوا ذلك
ثم يدّعون وقد رأيتُ هذا في عجبٍ لا يملك المرء منه إلا أن يقول شر البلية
ما يضحك، عندما ادعى بعضهم أن هذا الانتصار كبير، لماذا؟! قال لأن أولئك
مزودون بأحدث ترسانات الأسلحة العالمية التي يصبها إليهم أعداء البلد
المقاوم, وذكروا أسماء لهذه الأسلحة, وكل الناس رأى ما بأيدي أولئك الأبطال
من سلاحٍ قليلٍ ضئيل.
من
سقط في القُصير؟! سقطت كل الدول الكبرى والمنظومة الدولية بكل أسمائها
ومسمياتها ومجلس أمنها لأنها سقطت بالفعل أخلاقياً وقانونياً, أليست هي
التي تقرر حق تقرير المصير للشعوب؟! أليس من حق أولئك الذين رزحوا تحت
الظلم والبغي أكثر من أربعين عاماً أن يقولوا لا نريد هذا الحكم وهذا
النظام وهذا القتل وهذا البطش وهذا الإجرام, أين حق تقرير المصير؟! أين حق
الدفاع عن النفس حتى يستوي في لغتهم الأطراف المتنازعة, العنف المتبادل,
سبحان ربي كيف لا يكون لمن يُعتدى عليه قتلاً وحرقاً واغتصاباً وتدنيساً
للمقدسات وضرباً لمنائر المساجد وانتهاكاً لحرمة المصاحف كيف لا يدفع عن
نفسه، وإذا دفع عن نفسه سمي إرهابياً أو تكفيرياً، كل ذلك من اختلال
الموازين وأعود لي ولكم لماذا نتحدث عن هذا؟! لأن بعضاً منا قد وقعت فيه
وله الفتنة كما تحدثنا في الجمعة الماضية {إلاَّ تَفْعَلُوهُ تَكُن فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ}
[الأنفال: 73], وقد قال بعض أهل العلم وذكرنا ذلك عن ابن كثير التباس الحق
بالباطل وبعضنا قد راجت عليه بعض تلك الأضاليل, واختلطت عليه الأمور وقد
أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن مثل هذا مما يقع في آخر الزمان فتن تدع
الحليم حيران، لا يعرف.. لكن الذي يعتصم بكتاب الله ويستمسك بسنة النبي صلى
الله عليه وسلم ويكون في قلبه إيمان حي يفرق بين الحق والباطل لأن الإنسان
المؤمن بطبعه وبإيمانه عنده قوة إيمانية فارقة بين الحق والباطل كما بين
الحق سبحانه وتعالى ذلك، وكما قال رسولنا صلى الله عليه وسلم في حديث وابصة
بنت معبد (وَالإِثْمُ مَا حَاكَ فِي صَدْرِكَ وَكَرِهْتَ أَنْ يَطَّلِعَ عَلَيْهِ النَّاسُ) (رواه مسلم), استفت قلبك وإن أفتاك الناس وأفتوك. {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إَن تَتَّقُواْ اللّهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَاناً} [الأنفال: 29], تفرقون بين الحق والباطل.
كفرة
لا يؤمنون بكتاب الله ولا بسنة رسول الله ينتصرون للمعنى الإنساني وللقيمة
الحقيقية التي يرونها بأعينهم فيقولون هؤلاء ظلمة كفرة قتلة فجرة, وهؤلاء
مغلوبٌ على أمرهم, كيف هذا ونحن قد اقتربنا من عامين ونصف, كيف هذا وقد
بلغت الوفيات من الشهداء على مختلف الأصعدة حاجز مئة ألفٍ فيما حُصي ووثق
فضلاً عن غيرهم, ومع ذلك نجد من قد يقول مثل هذا ويردده.
سقطت
هذه الدول لأنها تعرّت وظهر كذبها وخداعها, لأنها لم تقدّم للضعيف عوناً
لا معنوياً ولا مادياً ولا عسكرياً, هي في موقف المتفرّج, والمتفرّج
المحايد هنا حقيقته أنه مشاركٌ في الجريمة, لأنه يملك شيئاً يدفع به عن
الضعيف ولم يفعل, ولئن قلنا إنّ أولئك لا تعنيهم مصالحنا فنحن أمة إسلامٍ
لا يريدون لها الخير بحال من الأحوال، فللنظر إلى الساقط الأكبر, سقطت
دولنا العربية في القصير, حتى عندما اجتمعوا أتعرفون ما قالوا؟ لن يستطيعوا
أن يضعوا النقط على الحروف, قالوا ندين كل أشكال التدخل, ولستُ أدري ما
الأشكال هذه الكثيرة العديدة, ولم يستطيعوا إلا أن يقولوا: ونخص بذلك تدخل
حزب الله وفق ما أعلنه أمينه العام, أي لو لم يعلن لربما لم يقولوا ذلك, لم
يذكروا إيران التي تفعل في خاصرتهم وفي بلادهم وفي بلاد شتى ما تفعل, ولن
يقولوا شيئاً ذو بالٍ ثم قالوا: إنهم يؤيدون المؤتمر الذي يُنتظر ويرتقب.
ومعلومٌ
أن أي مؤتمرٍ حتى لو حضرته الأطراف كلٌ موقفه بقدر ثقله وقوته وبقدر تقدمه
في الأرض, فكيف تريدون لأولئك أن يشهدوا مثل ذلك وهم في وضع ضعيف, وأنتم
في جملتكم لن تستطيعوا أن تفعلوا شيئاً ما لم يتقدموا على الأرض كما فعل
أولئك, أعطوا الصواريخ وقدموا الطائرات وأدخلوا الرجال وقدموا الأجهزة
الاتصالية وقدموا الخبرات الاستخبارية وأعلنوا عن ذلك بصراحةٍ وبجاحةٍ لا
نظير لها, والآخرون مازالوا مستترون في عجزهم وضعفهم, إنهما الآن محوران
ظاهران بارزان دع عنك الآن أعداء الخارج فإننا نرى الآن أمراً لا ينسينا
عدونا الأكبر, ولا ينسينا ما يخططه لنا أعداء الإسلام من غير المسلمين,
لكننا نرى أن هذا المحور واضحٌ في عدائه, لأنه اضطر بهذه الثورة الجهادية
المباركة في سوريا أن يكشف عن قناعه, وأن يتجرد من ثيابه, وأن يخرج على
حقيقته, وأن يظهر بصفاقته, وأن يتجلى بكامل حقده وإجرامه بكل هذه الأطياف
المنضمّة من النظام والحزب والدول المساندة له, وفي المقابل يبقى أهلنا
هناك في حزب آخر يزعم أنه مناوئ له, ذاك متماسكٌ وهذا متفكك, ذاك متقدم
وهذا متأخر, ذاك يعلن وهذا يستتر, ذاك يقدم المال والعتاد والرجال والسلاح,
وهذا لا يقدم سوى الأقوال والمؤتمرات والاستنكارات, وهنا فرق عظيم, ونحن
لا نقول ذلك مرة أخرى سياسة ولا أخبار, إنه دينٌ وعقيدةٌ وإيمانٌ نحن نعلم
أن ما عند القوم أمرٌ فيه كثير من نقض أصول الإسلام والتعدي على حرماته
والتعدي على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم, ونعلم أن ذلك فيه اختراقٌ
قد سرت آثاره وظهرت معالمه, وانتصاره هنا يوشك أن يكون له من الآثار
الإيمانية العقدية الفكرية فضلاً عن الآثار الاقتصادية والأمنية ما أحسب
أنه ليس له مثيل في تاريخنا المعاصر, فنحن معنيون بذلك ونحن الذين اليوم
تحاصرنا قنوات تبث هذه الأفكار وتلك المذاهب وتلك الانحرافات التي تسيء إلى
كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وإلى الصحابة وإلى تاريخ الأمة،
وتحصر المجد المكذوب في نفر من المتاجرين بدين الله عز وجل المستغلين
لعواطف الناس، لابد أن يظهر الحق, لابد أن تعلو كلمته, لابد أن يُبين
الباطل ويدحض وتُفنّد حججه، لابد أن يكون هناك مواجهة إيمانية عقدية فكرية
بكل ما تحمله هذه الكلمة من معنى لأن هذا في صلب كيان هذه الأمة الإسلامية.
وهناك
الكثير والكثير الذي يمكن أن يقال في مثل هذا المقام, وأخيراً أقول سقط
الذين نصروا العدو الصهيوني الذي يزعمون أنهم يقاتلونه ويقاومونه, أتعرفون
لماذا أقول ذلك؟! لأن وسائل إعلام الكيان الصهيوني رحبت بشكل واضح وبكلام
صريح بهذا التقدم، وأشارت إلى أن ذلك يثبت أن النظام قادر على فرض السيطرة
على جميع المدن الذي احتلها الإرهابيون -ولاحظوا تطابق اللغة-, وبعد مرور
عامين يستعيد النظام عافيته وهو مصمم على دحر جميع المتطرفين والإرهابيين,
خذ هذا القول وضعه في مكان آخر من تلك القنوات ستجده متطابقاً, بل رأيتُ
ذلك بعيني على الشاشة التي لهم نقلوا تلك المقولات من القنوات الصهيونية
على شاشاتهم فرحاً بها, وهذا من الفضل العظيم من الله, لأن الله جل وعلا
قال: {مَّا كَانَ اللّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنتُمْ عَلَيْهِ حَتَّىَ يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ}
[آل عمران: 179], هذه الفتن وهذا الابتلاء وهذا التأخر للنصر وهذا الثمن
المدفوع من الدماء فيه خيرٌ ليستيقظ النائمون ولتزول الغشاوة عن المضطربين
والمترددين, وليتحمس الذين ركنوا إلى الأرض ويقوموا بواجبهم على جميع
المستويات, إن كانوا حكاماً ورؤساءً وملوك, إن كانوا علماء ودعاه ومثقفين,
إن كانوا على كل مستوى حتى يكون كل واحد منا وكل فرد منا معنياً بذلك.
ومن
هنا أقول هؤلاء جميعاً سقطوا, ولم يسقط أولئك الذين قاوموا كل هذه الشراسة
والكثافة النيرانية التي ذكر بعض المحللين أنها قد تكون غير مسبوقة
عالمياً, ووقفوا في وجه هذا التقدم وانسحبوا انسحاباً لم يكن هزيمةً لأنهم
رأوا أن الناس والمواطنين والسكان الأبرياء سيذهبون ضحية لجرائم تطهير عرقي
ليست بعيدة عن ما حصل في بانياس وفي جديدة الفضل وغيرها.
ينبغي
وهذا ما ألخص به الأمر أن نستيقظ وأن نكون أكثر غيرةً على ديننا وحرصاً
على إسلامنا ونصرة لأمتنا, ليست القضية مجرد إخوة لنا -وإن كان هذا من أوجب
الواجبات- يقتلون أو يسامون سوء العذاب, بل الأمر مع هذا مرتبطٌ بارتباطٍ
وثيقٍ بأمر الإسلام والدين في هذه المرحلة الخطيرةِ.
نسأل
الله عز وجل أن يدفع عن ديننا وأمتنا كيد الأعداء, وشرهم, وضرهم, وأن يرد
كيدهم في نحرهم, وأن يثبت في أرض الشامِ المجاهدين وأن يجعلنا لهم ناصرين.
الخطبة الثانية:
أوصيكم ونفسي الخاطئة بتقوى الله,
وإن من أعظم التقوى الغيرة على حرمات الله, والحمية لدين الله, والانتصار
لعباد الله, ولذلك وفي كل مرةٍ أريد أن أكون صريحاً مع نفسي ومعكم, وأوجه
الخطاب المباشر بأن لا يكون همنا أن ننفس عن أنفسنا, ونقول الدول والجامعة
والدول العظمى وغير ذلك, أقول سقط محدثكم وأحسب أيضاً أنا في جملتنا
ساقطون, لأنني أقول سقط كل من لم يهتم بأمر المسلمين, كل من لم يغتم, كل من
لم يتابع, كل من لم يتحسر ألماً أو يذرف دمعة حزناً على الأقل في هذه
المشاعر (لاَ يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ)
(رواه البخاري ومسلم), سقط كل من كان قادراً على نصرهم بأي شيءٍ ولو بكلمة
ولو بدمعة فضلاً عن الدعم المالي أو السلاح أو القوة العسكرية بالرجال ولم
يقدم ذلك, كلٌ بحسبه, إن كان بإمكانك أن تخرج مالاً ولم تخرج فقد قصرت
وتركت واجب النصرة, وربما كنت سبباً من أسباب الخذلان والضعف وكنت أيضاً من
الساقطين.
وأقول
هذا عني وعنكم، لماذا؟! لأننا نريد أن نصدق الله عز وجل, لن ينفعنا يوم
القيامة إلا ما وقر في قلوبنا ونعلم صدقهُ وإخلاصهُ, وليس ما نبرره
لأنفسنا, وليس ما نلتمسه من الأعذار والتبريرات, كلنا يعلم أن هذا الأمر
جدُّ خطير, وأن هذه الأحداث لها ما بعدها, وأنها في قلب أمتنا الإسلامية,
وأنها في شام الإسلام المباركةِ التي عرفنا وعرفتم وقلنا وقلتم الكثير
والكثير من النصوص القرآنية والنبوية في شأنها, وفي شأن من يجاهد فيها, وفي
شأن ما يكون من أمرها في آخر الزمان, أفلا يستحق ذلك كله أن نراجع أنفسنا
وأن نغير ولو شيئاً قليلاً من أمورنا وأحوالنا التي فيها تقصير وتفريط.
وأختم
بأن أقول: إننا اليوم نستقبل إجازة وعطلة أليس من المهم أن نقول لا تلغوا
الإجازة, لكن خذ من مصروفها خذ من مالها التي أعددته لكي ترفه عن نفسك وعن
أهلك, خذ شطراً خذ قليلاً خذ كثيراً, لو ألغيتها وجعلت كل المال لذلك فأنت
الرابح لا الخاسر, أشعر نفسك بأي طريقةٍ تراها بأنك قدمت شيئاً أو غيرت
أمراً في حياتك, غيرة لدينك وحمية لأمتك ونصرة لإخوانك, وكلٌ أعلم بنفسه,
وكلٌ أدرى بحالهِ, فينبغي أن نُري الله من أنفسنا لأنفسنا, لمصلحتنا,
لأجلنا, لمثوبتنا, لبراءة ذمتنا, لقيامنا بواجبنا نحن المعنيون بذلك, لن
يتضرر إخواننا لأن النصر من عند الله, لأن سنة الله ماضية, الله جل وعلا
ماضٍ قدره بخير هذه الأمة, وإن بدا في الأمر أو في بعض الجولاتِ شيءٌ من
القصور أو التقصيرِ أو التراجع، الذي يضيع أمرهُ والذي يُفوِّت فرصته هو
أنا وأنت, أما الركب فماضٍ, وأما المسيرةُ فمنطلقة, وأما النصرُ فهو قادمٌ
بإذن الله عز وجل, فكن جزءاً منه, وكن جزءاً من هذه الأمة, وكن جزءاً من
الذين يصدقون في انتسابهم إلى سيد الخلق صلى الله عليه وسلم وكن متشيعاً
بحقٍ لآل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم على ما هو صحيحٌ ثابتٌ في هدي
المصطفى صلى الله عليه وسلم, وكن آمراً بمعروفٍ وناهٍ عن منكر, وكن قائماً
بسنة وقامعاً لبدعة, وكن منبهاً لخطرٍ يُحدِق بالإسلام وأهله, حتى لا يكون
أمري وأمرك أننا ممن سقط وفرّط وقصّر.
أسأل الله عز وجل أن يُعيذني وإياكم من أن نكون من المقصرين المفرطين, وأسأله سبحانه وتعالى ألا يؤاخذنا بما فعل السفهاء منا.
اللهم
اجعلنا سلماً لأوليائك, حرباً على أعدائك, اللهم اجعلنا لإخواننا في بلاد
الشام وفي فلسطين وفي بورما وفي كل مكان يا رب العالمين من الناصرين,
واجعلنا لنصرتهم من الباذلين, واجعلنا لهم في كل آنٍ من الداعين المتضرعين.